بلكونة - الشعار
مجتمع مؤسسي

«الكراسة الاتصالية» كيف نكتبها بطريقة صحيحة؟ ولماذا تُعد معيار لنضج الجهات؟

تُمثّل الكراسات الاتصالية إحدى الخطوات المحورية التي يبدأ منها أي مشروع اتصالي، فكيف يمكن جعل الكراسة الاتصالية مساهمة في الإنجاز بدل أن تكون عبئًا على فريق العمل؟

«الكراسة الاتصالية» كيف نكتبها بطريقة صحيحة؟ ولماذا تُعد معيار لنضج الجهات؟
«الكراسة الاتصالية» كيف نكتبها بطريقة صحيحة؟ ولماذا تُعد معيار لنضج الجهات؟
مجتمع مؤسسيمجتمع متخصص في مجال التواصل المؤسسي، يقدم محتوى متنوع ويجمع الممارسين والخبراء بهدف توثيق التجارب وتبادل الخبرات وتطوير منظومة الاتصال المحلية.

تُمثّل الكراسات الاتصالية إحدى الخطوات المحورية التي يبدأ منها أي مشروع اتصالي، وهي الأساس الذي تُبنى عليه العلاقة بين الجهات والمورد، ورغم حضورها الدائم في بيئات العمل الاتصالي، إلا أنّ دورها، وطريقة إعدادها، وتحدياتها لم تُناقش بالقدر الكافي، رغم أنها تحمل في داخلها مفارقة مؤثرة، فهي قادرة على تسريع الإنجاز بوضوح تنظيمها، ويمكن في الوقت ذاته أن تُبطئ العمل إذا صيغت بغياب فهم لطبيعة قطاع الاتصال، وهذا يدفعنا إلى السؤال الأهم: كيف يمكن جعل الكراسة الاتصالية مساهمة في الإنجاز بدل أن تكون عبئًا على فريق العمل؟

هل يحتاج المشروع الاتصالي إلى انضباط محكوم بالكميات، أم إلى مساحة أوسع لإدخال التعديلات ومواكبة المتغيرات دون حاجة لإعادة الطرح؟

عند استعراض الأنواع الشائعة للكراسات الاتصالية، تظهر الحاجة أولًا إلى الإشارة إلى التعريفات الرسمية المعتمدة في منصة اعتماد، والتي تُعد المرجع الأهم في طرح المنافسات الحكومية وهي ثلاث فئات رئيسية:

1- كراسة الشروط والمواصفات (RFP): وهي الوثيقة التفصيلية التي تحدد نطاق العمل، والاشتراطات الفنية، والكميات المطلوبة، ومعايير التقييم، وتُستخدم للمشاريع ذات الاحتياج الواضح والمحدد.

2- الاتفاقيات الإطارية (Framework Agreements): وهي عقود تُبرم لتوريد خدمات أو منتجات متكررة دون تحديد مسبق للكميات، وتُستخدم للمشاريع المتغيرة أو التي لا يمكن تحديد احتياجها بدقة في البداية.

3- العقود المباشرة ذات الطابع السريع أو العاجل، والتي ترتبط بطلبات لا تستلزم طرحًا عامًا، وغالبًا ما تشمل نطاقات عمل قصيرة وواضحة.

وبالعودة إلى سياق الاتصال، يظهر النموذج المفصل (كراسة الشروط) الذي يُبنى على نطاق عمل دقيق وكميات محددة، وهو مناسب للمشاريع الاتصالية ذات الحدود الواضحة، مثل إنتاج عدد معين من الفيديوهات أو تنفيذ حملة محددة بزمن ومخرجات، في المقابل يخدم (النموذج الإطاري) المشاريع ذات الطبيعة المتغيرة، مثل الحملات الممتدة أو الخدمات الاستشارية التي تتبدل احتياجاتها خلال العام، وهو ما يتيح للجهة حرية أكبر في الطلب دون الحاجة لإعادة طرح المنافسة كل مرة.

كلا النموذجين يحمل مزاياه وتحدياته؛ فالمفصل يمنح دقة وانضباطًا لكنه يحدّ من مساحة التغيير، بينما تمنح الاتفاقية الإطارية مرونة أعلى لكنها تتطلب نضجًا أكبر في تقدير الاحتياج وصياغة بنود الخدمة.

لماذا تستمر التحديات في الظهور رغم تراكم الخبرات واتساع التجارب في إعداد الكراسات الاتصالية؟

تتكرر التحديات لأن قطاع الاتصال بطبيعته قائم على الخدمات وليس السلع. وهذا يعني أن المنتجات الاتصالية ليست جاهزة أو ثابتة وقابلة للقياس، بل ترتبط بالإبداع والتحليل والتفاعل اللحظي، وهو ما يجعل تسعيرها وتحديد كمياتها أكثر تعقيدًا مقارنة بالقطاعات الأخرى.

ومن أبرز التحديات التي يعاني منها الممارسون هو صعوبة تحديد نطاق المشروع وغياب الكميات الدقيقة، إلى جانب الارتباك الناتج عن الاختلاف في المفاهيم بين الاتصال والمالية والمشتريات، حيث يخلط البعض بين الرصد والتحليل، أو بين الحملات الإعلامية والتحرير، أو بين كتابة المحتوى وتحسين الظهور الرقمي، يضاف إلى ذلك عدم إلمام بعض المختصين بأنواع المخرجات والمحاذير الواجب تجنبها، مثل تضمين مصطلحات لا يمكن توريدها أو قياسها (أو تتعارض مع الضوابط والتنظيمات المتخصصة أو التعاميم ذات الصلة والتي يجب على الممارس إدراكها).

ويتعاظم التحدي عندما ينشغل المختصون بالاتصال بسلسلة طويلة من الأعمال الإجرائية مثل رفع الكراسات، متابعة طلبات التغيير، الرد على الملاحظات، رفع التقارير، والإشراف على جودة المواد، هذه الأعمال رغم أهميتها تستنزف وقتًا كبيرًا وتُضعف التركيز على صياغة كراسة ناضجة. كما أن طبيعة العمل الاتصالي ترتبط أحيانًا بمواعيد محددة (معارض محددة التوقيت، حملات محددة الفترات، مواسم وأحداث وطنية أو اجتماعية)، مما يجعل فترة الطرح قصيرة ويخلق تحديات مع الموردين الذين يحتاجون لوقت أطول لتقديم عروض دقيقة أو يجعل الجهات في تحدٍ لضرورة امتثال الكراسات لكافة المتطلبات لتدارك الوقت والطرح في الوقت المناسب.

وعلى مستوى عالمي، كشف تقرير WorldCC بالتعاون مع Deloitte أن 76% من المهنيين يعانون من ضعف كفاءة العمليات التعاقدية، وأن فعالية العقود تراجعت بنسبة 40% نتيجة التعقيد واختلاف التوقعات بين الفرق. وهذا الواقع العالمي يعكس بشكل مباشر ما تواجهه الكراسات الاتصالية محليًا، كونها خطوة تأسيسية لأي عقد أو مشروع اتصالي.

كيف يمكننا بناء كراسة ناضجة تمتلك إطارًا واضحًا وعمليًا تدعم رحلة المشروع الاتصالي؟

الانتقال من التحديات إلى الحلول يتطلب بناء إطار ناضج للكراسة الاتصالية عبر ثلاث مراحل رئيسية تتكامل مع بعضها، وهذه المراحل لا ترفع فقط جودة الكراسة، بل تُقلل الفجوات التي تظهر أثناء التنفيذ:

أولًا: تحليل الحاجة الفعلية

وهو تحليل يبدأ بتشخيص المشكلة الاتصالية المراد حلها، وتقييم أثرها على السمعة، وتحديد هدف المشروع ومؤشر نجاحه. هذا التحليل يحدد أساس الكميات والمخرجات ويمنح الكراسة نقطة انطلاق واضحة.

ثانيًا: تحليل رحلة المشروع

وهو تحليل يدرس مراحل المشروع من الانطلاق وحتى الإغلاق، ويحدد ما يحتاجه كل طور، ويكشف المخاطر والفرص المحتملة، ويضع تصورًا واضحًا لتسلسل العمل.

ثالثًا: تصنيف نوع الخدمات قبل تحديد الكميات

وهنا تضيف الكراسة بُعدًا مهمًا، يتمثل في تصنيف الخدمات في مجموعات واضحة، على سبيل المثال:

  • خدمات الاستشارات: وتشمل إعداد استراتيجية اتصالية، إعداد خطة ظهور، أو تحليل الصورة الذهنية.

  • الخدمات الإبداعية: وتشمل التصاميم بأنواعها، الفيديوهات، الإعلانات المرئية، الهوية البصرية، وغيرها. 

بعد التصنيف، تُدرج الكميات المطلوبة لكل خدمة، مع تحديد المواصفات الفنية اللازم توريدها، مثل: المدة، عدد النسخ، مقاسات التصميم، نوع الفيديو. ثم تُحدد المخرجات المتوقعة: وثيقة، تقرير، خطة تنفيذية، تصاميم وغير ذلك.

نماذج افتراضية:

نموذج 1:

التصنيف: الخدمات الاستشارية

البند: خطة استراتيجية لتفعيل منصات التواصل الخاصة بالجهة

الكمية: 1

الوحدة: خطة

نموذج 2:

التصنيف: الخدمات الإبداعية

البند: فيديو طولي بجودة 4K لمدة دقيقة شامل كتابة المحتوى والتعليق الصوتي للتعريف بخدمات الجهة

الكمية: 12

الوحدة: فيديو

رابعًا: تحليل المشاريع السابقة

وهو مراجعة ما سبق طرحه، وما نجح وما تعثر، مما يساعد على تحسين الدقة، وتقليل الأخطاء، وتحديد ما يمكن إنجازه داخليًا أو خارجيًا وهنا تظهر الحاجة لضرورة تبني مفاهيم أرشفة الكراسات ونطاقات العمل المثالية من قبل إدارات المشتريات أو المالية أو مكاتب إدارة المشاريع في الجهات.

هل يكفي التطوير الداخلي دون دور تنظيمي أوسع ومبادرات مشتركة؟

نظرًا لأن الاتصال قطاع خدماتي يعتمد على التخصصات الدقيقة والمخرجات غير المعيارية، فإن الارتقاء بجودة الكراسات يحتاج إلى تدخل تنظيمي يرفع وعي السوق ويوحد الممارسات، وهذا يستدعي خطوات استراتيجية تشمل:

1- تفعيل دور اللجان الوطنية المتخصصة

وذلك عبر مبادرات تُعنى بتطوير مفهوم الكراسات وتوحيد أسس التسعير، بما يضمن التقارب في الفهم ووضوح المخرجات من خلال تعزيز دور القطاع الخاص (شركات الدعاية والإعلان، والتسويق وخدمات الاتصال) في رفع مستوى الوعي بالممارسات وفق بعد ينظر للتحدي من منظور القطاع الخاص كطرف مورد لهذه الخدمات.

2- تفعيل دور هيئة تنظيم الإعلام أو الجهات ذات العلاقة لاعتماد مواصفات فنية موحدة

من الضروري تبني مواصفات وتعريفات معيارية لتصنيف المخرجات الاتصالية، مثل أنواع الفيديو، أو معايير «التصميم الإبداعي»، أو ضوابط لتوريد المحتوى الرقمي، حيث أن المجال لا يخضع لضوابط أو مواصفات محددة أسوةً ببقية المجالات التي تتطلب توريد السلع على سبيل المثال.

3- ورش عمل إلزامية بين المشتريات والاتصال داخل الجهات

لخلق لغة مشتركة، وتوحيد فهم المتطلبات، وتقليل الفجوات بين الجوانب الفنية والمالية والقانونية.

4- تبني الجهات التنظيمية لمفهوم إدارة أصحاب المصلحة

وهو عامل بالغ الأهمية لتمكين القطاعات الخدمية — ومنها الاتصال المؤسسي — من أداء أعمالها بكفاءة، عبر رفع مستوى التنسيق بين القطاعات ذات العلاقة داخل الجهات عبر تخصيص موظفين معنيين بتسهيل عملية بناء الكراسات، متابعة طلبات التغيير، طلبات التسليم، ودعم اتخاذ القرار، خاصة عند المشاريع الحساسة زمنيًا.

في الختام،

الوعي في إعداد الكراسة الاتصالية يعد محرك أساسي لجودة الإنفاق ومحسن لمستوى الأداء. جودة الكراسة بشكلٍ عام لم تعد تفصيل إداري، بل عنصر استراتيجي ينعكس مباشرة على كفاءة الإنفاق، وجودة المخرجات، وفاعلية فرق العمل، وتمكين الشركات المنفذة من تقديم خدمة أعلى وأدق، وحين تُبنى الكراسة بوصفها إطارًا يربط بين الهدف والموازنة، وبين المخرجات والأثر، تتحول إلى أداة تدعم الإنجاز، وتحدّ من الهدر، وترفع جودة التوريد، وتخلق بيئة تعاون أكثر نضجًا بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، ومع تصاعد الوعي وتزايد الحراك لتطوير معايير الكراسات، تتعزز قدرة المؤسسات على اتخاذ قرارات أوضح، وتزداد جودة المشاريع الاتصالية، ويتسارع الإيقاع نحو قطاع أكثر مهنية واستدامة.

وهكذا تصبح الكراسة الاتصالية - حين تُصاغ بوعي وتُدار بكفاءة - رهانًا على الكفاءات العاملة في الجهات، واستثمارًا في الوعي، وبوابة لأثرٍ أكبر وجودةٍ أعلى في كل مشروع اتصالي.

الكراسة الاتصالية - Communication Brief

الكراسة الاتصالية - Communication Brief

وثيقة توجه الجهة المنفذة اتصاليًا لضمان اتساق الرسائل والصورة.

كراسة الشروط والمواصفات - Request for Proposal (RFP)

كراسة الشروط والمواصفات - Request for Proposal (RFP)

وثيقة توضح متطلبات المشروع وتستخدم لطلب العروض من الجهات.

الاتفاقية الإطارية - Framework Agreement

الاتفاقية الإطارية - Framework Agreement

عقود تُبرم لتوريد خدمات أو منتجات متكررة دون تحديد مسبق للكميات، وتُستخدم للمشاريع المتغيرة أو التي لا يمكن تحديد احتياجها بدقة في البداية.

اقرأ المقال التالي