logo
مجتمع مؤسسي

هل تحول «X» إلى منصة محفوفة بالمخاطر الاتصالية للعلامات التجارية؟

سلوكيات الجمهور على منصة «X» اليوم هي القوة المؤثرة في استدامة السمعة وثقة المجتمع. الآراء الفردية تتحول إلى قوة جماعية قادرة على هز مصداقية الشركات وتوجيه سلوك المستهلك خلال ساعات. فهل أصبح «X» يشكل خطر على العلامات التجارية؟

هل تحول «X» إلى منصة محفوفة بالمخاطر الاتصالية للعلامات التجارية؟
هل تحول «X» إلى منصة محفوفة بالمخاطر الاتصالية للعلامات التجارية؟
مجتمع مؤسسيمجتمع متخصص في مجال التواصل المؤسسي، يقدم محتوى متنوع ويجمع الممارسين والخبراء بهدف توثيق التجارب وتبادل الخبرات وتطوير منظومة الاتصال المحلية.

لم تعد سلوكيات الجمهور اليوم على منصات التواصل الاجتماعي مجرّد ملاحظات عابرة أو تفاعل بسيط، بل تحولت إلى عامل مؤثر في استدامة السمعة وثقة المجتمع. في منصة «X» تحديدًا، التي أصبحت مركزاً للنقاش العام وتكوين الانطباعات، تحولت الآراء الفردية إلى قوة جماعية قادرة على التأثير في سمعة ومصداقية الشركات والجهات والمؤسسات، وسلوك المستهلكين خلال ساعات فقط.

تشكلت على «X» بيئة تتغذى على الانفعال وسرعة الانتشار، حتى بات من السهل أن تتحول ملاحظة شخصية إلى حملة رقمية، وأن تتبدل صورة مؤسسة بأكملها نتيجة تغريدة واحدة تكتسب زخمًا من الغضب الجماعي أو الإحباط العام، دون مراعاة الأثر الاقتصادي وجوانب السمعة والعواقب المترتبة على ذلك.

من الإعجاب إلى المقاطعة

خلال الأشهر الأخيرة، شهدت المؤسسات والجهات في المملكة تصاعدًا في الحملات السلبية سواء كانت حملات مقاطعة استهلاكية، أو ردود فعل غاضبة على قرارات أو تنظيمات إجرائية، وتُظهر الدراسات أن سلوك الاستياء الرقمي أصبح ثقافة قائمة بذاتها، مدفوعةً برغبة المستخدمين في التعبير والانتصار الرمزي، حتى لو لم يكن الهدف نقدًا بنّاءً.

وفي هذا السياق، أصبح التفاعل السلبي أسرع وأعمق انتشارًا من التفاعل الإيجابي؛ بحسب دراسة «معهد MIT» التي أكدت أن الأخبار السلبية تنتشر أسرع 6 مرات من الأخبار الإيجابية، لأن الغضب والحيرة هو ما يدفع الرغبة في المشاركة.

فجوة الثقة .. وفق الدراسات

تشير نتائج تقرير مؤشرات «Edelman Trust Barometer 2025» إلى أن الثقة المؤسسية تشهد تراجعًا عالميًا؛ إذ أصبح الجمهور يميل إلى تصديق المتخصصين أكثر من تصديق الشخصيات (قادة الجهات على سبيل المثال) أو الخطابات الرسمية العامة الصادرة من المؤسسات أو الشركات.

وهذا يعني أن البيانات الصادرة من المؤسسات لا يتم تقبلها كما كان في السابق؛ بل تقيمها الجماهير تقييم عاطفي واجتماعي أكثر من كونه مهني، وهو ما يجعل بناء رأي عام متوازن على المنصة ضرورة استراتيجية أكثر من كونه ترف اتصالي.

من جانب آخر، أوصت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD في تقريرها حول الاتصال العام في مواجهة المعلومات المضللة (2024) بأن المؤسسات ينبغي أن تبني بُنى اتصال استباقية وواجهات بيانات مفتوحة، وأن تعزز الشراكات مع المنصات ووسائل الإعلام بدل الاكتفاء بالبيانات التقليدية، لما لذلك من أثر في استعادة الثقة وتقليل مساحة الفراغ الاتصالي.

هنا نطرح سؤال، لماذا أصبح «X» بوابة إثارة الرأي؟

إن أول مسبب هو طبيعة المنصة التي تشجع على الرد السريع والانفعال بعيدًا عن الحوار والتحليل، حيث أصبحت (الخوارزميات) اليوم محفزة للاستياء فالمحتوى الجدلي يحقق تفاعلًا أعلى فيكافأ بالانتشار، كما أن المنصة تراجعت فيها الموثوقية بشكل كبير نتيجة تداخل الحسابات المجهولة والآراء الشخصية مع المحتوى الرسمي، لذا يمكن تسمية ذلك بالعدوى الرقمية لا سيما وأن تضخيم التغريدات المتشابهة يخلق انطباعًا بوجود إجماع سلبي حتى وإن لم يكن حقيقي.

هل يوجد تجارب دولية إيجابية تصدت لذلك؟

لا داعي لإعادة اختراع العجلة، يمكننا أن نستفيد من تجربة فنلندا في معالجة هذا التحدي، الممتدة منذ أوائل الألفية، وتطورت بعد ذلك بملاحظة تصاعد الشائعات وحملات التضليل المحلية، خاصة خلال فترات الانتخابات الأوروبية، حينها لم تعتمد فقط على الردود، بل تبنّت استراتيجية وطنية للتربية الإعلامية تم تطويرها لاحقًا وانبثق منها عدد من المبادرات والبرامج منها سياسة لمكافحة التضليل عبر التعليم.

كيف كان ذلك على أرض الواقع؟ 

قامت وزارة التعليم الفنلندية، بالتعاون مع هيئة الإعلام والاتصال في الدولة بإدخال مادة التربية الإعلامية والإعلام الرقمي كمكون أساسي في المناهج الدراسية من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية. 

 يتعلم الطلاب في هذه المادة كيفية تحليل المحتوى، والتحقق من المصادر، وفهم أهداف الرسائل الاتصالية، بل وحتى تحليل الصور والفيديوهات من منظور نقدي، كما أنشأت منصة وطنية للتدريب على التحقق من الأخبار تحت إشراف جهة حكومية مسؤولة عن السياسات الإعلامية والتربية على الثقافة الرقمية في فنلندا تسمى (المعهد الوطني السمعي البصري).

هل نجحت فنلندا؟

تصدرت فنلندا المؤشر الأوروبي لمحو الأمية الإعلامية لخمسة أعوام متتالية (2020–2024)، وفق المؤشرات هنالك جانبين كانت أكثر إيجابية وهي انخفاض معدل انتشار الأخبار المضللة بنسبة 35% خلال ثلاث سنوات بالإضافة لارتفاع الثقة بالمؤسسات العامة ووسائل الإعلام إلى أكثر من 70%، وهي من أعلى النسب عالميًا، ما يستفاد من ذلك؟ أن التجربة الفلندية أكدت أن معالجة السلبية لا تكون فقط عبر الردود الذكية على المنصات وتحميل الجهات مسؤولية الدفاع الدائم عن نفسها، بل عبر تكوين جيل ناقد وواعي، يمتلك أدوات التفكير الاتصالي والتحليل النقدي.

كيف يمكن أن نستفيد من التجربة

في ظل الحراك الإعلامي الذي تقوده اليوم هيئة تنظيم الإعلام في ضبط المشهد العام، يمكننا الاستفادة من التجربة الفنلندية عبر تعاون مؤسسي بين هيئة تنظيم الإعلام ووزارة التعليم لتأسيس برنامج وطني للتربية الإعلامية والرقمية، يتضمن:

  1. إدراج وحدات تعليمية في المناهج تشرح كيفية تحليل الأخبار وتتبّع مصادرها. 

  2. إطلاق حملات توعوية رقمية تستهدف أولياء الأمور والطلاب في آن واحد أسوةً بتجربة لجنة التوعية في قطاع البنوك ونجاحها في المملكة.

  3. تطوير شراكات مع المنصات المحلية والمؤثرين لنشر سلوكيات الاستخدام الواعي (تتناغم من توجهات الهيئة في ضبط المحتوى الإعلامي).

  4. إشراك الجامعات ومراكز الأبحاث في تطوير محتوى وطني متوازن عن الإعلام الجديد والسلوك الاتصالي.

  5. قياس الأثر سنويًا عبر مؤشرات الثقة الرقمية والانطباعات المؤسسية (وتعزيز مفهوم المؤشرات في الحملات للجهات والمؤسسات).

استثمار الممكنات، لتطوير النهج الاتصالي 

تعيش المملكة اليوم مرحلة متقدمة من النضج الإعلامي المؤسسي بفضل التحولات التنظيمية التي عززت بنية الاتصال الوطني، توّجت بتأسيس هيئة تنظيم الإعلام في خطوة استراتيجية لترسيخ الحوكمة ورفع كفاءة المنظومة الاتصالية، وفي ظل هذا التقدّم، لا يمكن أن نتجاوز التحديات الجديدة التي برزت وتتصل ببيئة التواصل الرقمي وسلوك المستخدمين في المنصات الرقمية وعلى رأسها X كما أشرنا في المقال بصورة مؤثرة في تشكيل الانطباعات السلبية حول المؤسسات والعلامات التجارية، لذا تبرز الحاجة إلى جانبين مهمة وهي:

أولًا: أن تُعيد الجهات الحكومية والشركات الوطنية بناء نهجها الاتصالي، ليس كردّ فعل على الجدل الرقمي، بل وفق أطر استراتيجية شاملة تستند إلى فهم سلوك الجمهور واتجاهاته، وتستثمر البيانات والرؤى السلوكية في تصميم حملات تُعبر عن الثقة، وتُدار بمسؤولية ووعي.

ثانيًا: استفادة الجهات من المؤشرات الدولية المعتبرة التي تم الإشارة لها سلفًا –على سبيل المثال- بوصفها مراجع لفهم طبيعة الثقة وسلوك المستخدمين عالميًا، وليس كمقاييس للأداء المحلي، بحيث تُستخدم لتطوير معايير مهنية تُسهم في تحسين جودة الخطاب المؤسسي وإدارة الأثر النفسي والاجتماعي حتى لا تقتصر الحملات على مؤشرات عامة مثل النقرات، الظهور وغير ذلك.

فالمرحلة الحالية تتطلب انتقالًا من الخطاب التفاعلي إلى الخطاب التحليلي الواعي، القائم على قياس الانطباعات، وتحليل المحفزات السلوكية، وصياغة رسائل تُحافظ على التوازن بين الشفافية والاتزان، وهو ما سيعزز الجهات في المشهد الرقمي بثقةٍ واستدامةٍ واتزانٍ والحد من حملات المقاطعة وردود الفعل السلبية لدى الجمهور.

ختامًا

السلبية على منصة «X» ليست مشكلة تقنية، بل تحدي ثقافي واتصالي يحتم على المؤسسات والمجتمع الانتقال من منطق ردة الفعل إلى منطق التمكين والتثقيف، فٌإن بناء رأي عام متوازن لا يتحقق عبر الحملات الإعلامية وحدها، بل من خلال ثقافة تواصل ناضجة تستند إلى التخطيط الجيد، الشفافية، والسرعة، والتعليم، والثقة، وهي القيم التي ميّزت التجربة الفنلندية عندما ربطت بين الإعلام والتعليم لبناء جيل واعي يمتلك مهارات التفكير النقدي والمفاهيم الاتصالية العلمية الصحيحة، ويشارك في حماية الخطاب العام من التضليل.

فبقدر ما تبني المؤسسات والشركاء منظومة اتصال تستند إلى الثقة والمعرفة والشراكة المجتمعية، بقدر ما تُرسخ المملكة نموذجًا إعلاميًا مؤسسيًا متوازنًا يجمع بين الهوية الوطنية والانفتاح الاتصالي الواعي، في زمنٍ تتشكل فيه الانطباعات أسرع من الحقائق.

التواصل أثناء الأزمات - Crisis Communication

التواصل أثناء الأزمات - Crisis Communication

الخطط والرسائل التي تعتمدها العلامات التجارية عند وقوع أزمة تمس صورتها أو ثقة الجمهور بها.

احتواء الضرر - Damage Control

احتواء الضرر - Damage Control

الاستجابات السريعة والعلنية التي تهدف إلى الحد من الأثر السلبي على سمعة العلامة.

أزمة اتصالية - Communication Crisis

أزمة اتصالية - Communication Crisis

حدث مفاجئ وخطير يهدد السمعة ويتطلب استجابة إعلامية سريعة وموجهة للجمهور.

إظهار المزيد
اقرأ المقال التالي