logo

لماذا نتمسك بـ«أبل» رغم أنها لم تعد تبهرنا؟

في السابق، كانت منتجات أبل تذهلنا فعلًا وتخرج المستقبل من روايات الخيال العلمي لتضعه بين أيدينا. أما اليوم، فقد تحول السؤال من «ماذا ستقدم أبل وكيف ستبهرنا؟» إلى «ماذا حسنت أبل هذه المرة؟».

لماذا نتمسك بـ«أبل» رغم أنها لم تعد تبهرنا؟
لماذا نتمسك بـ«أبل» رغم أنها لم تعد تبهرنا؟

قبل عشر سنوات، كان مؤتمر أبل السنوي حدث يترقبه الجميع بحماسة عالية وهم يتساءلون عما ستقدمه أبل هذه المرة. 

قبل عشر سنوات، كانت منتجات أبل تذهلنا فعلًا وتخرج المستقبل من روايات الخيال العلمي لتضعه بين أيدينا. 

أما اليوم، فالمؤتمر أصبح مجرد حدث اعتيادي آخر، نتابعه بدافع العادة أكثر من الحماس. أصبحنا نعرف ما ستقوله أبل قبل أن تقوله، ونتوقع مواصفات الجهاز الجديد قبل أن يُعلن عنه، وتحول السؤال من «ماذا ستقدم أبل؟» إلى «ماذا حسنت أبل هذه المرة؟».

لكن المفارقة التي تستحق أن نتوقف عندها هي: رغم كل هذا، ما زلنا نشتري أجهزة أبل. لماذا؟

حين كانت أبل هي التي تصنع السوق

كانت أبل ذات يوم هي الشركة التي تسبق الجميع، تعلن عن جهاز جديد فنقول بدهشة: «كيف لم يفكر أحد في هذا من قبل؟» الآيفون، الآيباد، الآيبود، كلها كانت أجهزة ثورية صنعت فئات جديدة من المنتجات. حينها، الثقة بشعار التفاحة كانت كبيرة لدرجة أن أي منتج من أبل كان يُنظر إليه مسبقًا على أنه شيء يستحق الاقتناء.

لكن لكل شيء نهاية، ولعل نهر الابتكار في أبل بدأ ينحسر.

أين ذهبت أبل التي أبهرتنا؟

اليوم، لم تعد أبل تقدم ابتكارًا حقيقيًا. كل ما تفعله هو الركض خلف تحسينات طفيفة لا ينتبه لها المستخدم العادي أصلًا، بينما تستمر مشكلات مثل ضعف البطارية وارتفاع حرارة الأجهزة دون حلول فعلية. الآيفون الجديد يشبه القديم، والقطع في كل إصدار جديد تتناقص بدلًا من أن تزيد، والكاميرات في الخلف تتحرك مثل قطع الشطرنج دون سبب واضح. عدا ذلك، لا شيء آخر يستحق الذكر.

لماذا نتمسك بأبل رغم كل شيء؟

في الحقيقة، تمسكنا بأبل ليس له سبب واحد، بل عدة أسباب تختلط فيها الواقعية بالكسل، والراحة النفسية بالعادة.

نتمسك بها لأننا أصبحنا نشعر بأن بياناتنا في مكان آمن. في عالم أصبحنا فيه مكشوفين أمام الجميع، أبل تخبرنا دائمًا أن «خصوصيتك محفوظة»، جملة أصبحت تشعرنا بنوع من الطمأنينة، حتى لو كنا لا ندري فعلًا ما يحدث خلف الشاشة.

نتمسك بها أيضًا لأن سعر منتجاتها المرتفع يمنحنا إحساسًا بأننا نقتني شيئًا ذا قيمة. حتى وإن كنا لا نستخدم معظم إمكانياته، يكفي أن الآخرين يرون شعار التفاحة على الجهاز، فالسعر بحد ذاته رسالة. 

أما متاجر أبل فهي فصل آخر من الحكاية. المكان ليس مجرد متجر، بل تجربة مصممة بعناية. الموظفون يرحبون بك بابتسامة عريضة وكأنك ضيف في منزلهم، جميع الأجهزة معروضة أمامك بهدوء وبدون إلحاح، وإذا احتجت إلى مساعدة، فـ Genius Bar سيحل مشكلتك ببساطة ووضوح. وعن تجربة شخصية، غالبًا لن تخرج دون إجابة مقنعة أو حل مباشر.  

ينبغى أن لا ننسى كذلك أن أبل تستعمل لغة واضحة وبسيطة حين تتحدث مع عملائها، فهي لا تقول: «كاميرا رئيسية بدقة 48 ميجابكسل باستخدام تقنية Fusion» بل تقول: «كاميرا متطورة تساعدك في التقاط صور رائعة حتى لو لم تكن خبير تصوير».

الأمر نفسه نراه بوضوح في اللغة التي استخدمتها في موقعها الإلكتروني الجديد في السعودية، حيث صاغت المحتوى بلغة محلية مألوفة، مما أعطى انطباع أنها تعرف مستخدميها المحليين جيدًا بالرغم من أنها تطلق متجرها الإلكتروني في دولتهم للتو. 

بلكونةبلكونة

وأخيرًا، لا يمكننا أن ننسى عامل الكسل البشري. نحن معتادون على نظام التشغيل، صورنا وتطبيقاتنا ومحادثاتنا موجودة هناك، فلماذا نتعب أنفسنا ونبدأ من جديد مع شركة أخرى؟ 

السؤال الحقيقي: إلى متى؟

جميع الأسباب السابقة منطقية وواقعية، لكنها لن تظل كافية إلى الأبد. العلامة التجارية التي تعتمد فقط على مجدها القديم ستصل إلى لحظة لا تعود فيها السمعة وحدها كافية للحفاظ على مكانتها. كلنا نعرف قصص شركات كبرى انتهت، ليس لأنها سيئة، بل لأنها توقفت عن الابتكار.

ربما لا زلت أنتظر أبل التي أبهرتني سابقًا

سأعترف بشيء ربما يشعر به كثيرون غيري: جزء مني لا يزال ينتظر أبل القديمة، أبل التي كانت تبهرني مع كل منتج جديد، أبل التي جعلتني في وقت ما أشعر فعلًا أن المستقبل بين يدي.

ربما من الصعب أن أعترف أن تمسكي بها اليوم لا علاقة له بالتقنية، بل بالحنين إلى مرحلة من حياتي عشت فيها لحظات دهشة حقيقية مع كل مؤتمر جديد. وربما هو كسل مني في ألا أبدأ رحلة جديدة مع علامة أخرى، ورغبة مني في أن تبقى الأمور على حالها.

كل ما أتمناه الآن هو أن تفاجئني أبل من جديد، أن تستعيد ولو جزءًا من بريقها القديم. وإلى أن يأتي ذلك اليوم، سأظل مثل الكثيرين، أنتظر مؤتمرها القادم، وفي جيبي جهاز يحمل شعار التفاحة، ربما بدافع الحنين، وربما بدافع الكسل، وربما لأنني – رغم كل شيء – ما زلت أثق أن هذه الشركة التي علمتنا يومًا أن نفكر بطريقة مختلفة، قد تفعل ذلك مرة أخرى.

المنظمات ذات الصلة

التسويق عبر الولاء - Loyalty Marketing

التسويق عبر الولاء - Loyalty Marketing

استراتيجية تهدف إلى بناء وتعزيز ولاء العملاء للعلامة التجارية من خلال تقديم مكافآت وخدمات مميزة.

الانحياز المعرفي - Cognitive Bias

الانحياز المعرفي - Cognitive Bias

ميل العقل لاتخاذ قرارات غير موضوعية بناءً على تصورات مسبقة أو مشاعر شخصية.

تأثير الهالة - Halo Effect

تأثير الهالة - Halo Effect

انطباع إيجابي واحد يجعلنا نحكم على الجوانب الأخرى بنفس الدرجة، حتى دون تجربة فعلية.

إظهار المزيد
اقرأ المقال التالي