
سادس لقاءات مجتمع POV: نبرة الصوت «الحاسة السادسة» للمحتوى والشخصية الخفية للكاتب
الانطباع الذي يبقى حين تُنسى الكلمات!


في مساء الثلاثاء، العشرين من مايو 2025، اجتمعنا مع كُتاب المحتوى من جديد، هذه المرة في شركة زنجبيل وبهدف بناء فهم أعمق لنبرة الصوت. استعرضنا بدايةً الأسئلة التي وصلتنا في رابط التسجيل، وقرأناها بصوت عالٍ وبنينا عليها محاور واسعة وعميقة بما يكفي لفتح نقاشات وسماع أفكار يهتم بها كل كاتب حول صوته، وشخصيته، وموقعه بين المحتوى والقارئ.
حين تكتبك الكلمات
بدأ اللقاء بسؤال بسيط وبديهي: ما مفهوم نبرة الصوت؟ ولماذا نعتبرها حاسة سادسة وركيزة مهمة في المحتوى؟
وبعد برهةٍ من التفكير العميق وشبه الصامت، استطعنا بأن نحدد المعنى الأشمل لها في جملة واحدة ألا وهي «الانطباع الشعوري»، أي الإحساس الذي يتركه النص، والصورة التي ترى بها ملامحه وكأنك ترى شخصية حسية لها هوية واضحة، وصوت حي يتغيَّر حسب السياق والموقف، وبين كل هذا وذاك يظل يحمل الجوهر والمعنى دائمًا.
من الرسمية إلى العفوية: كيف ننتقل بسرعة واتزان؟
غالبًا يتعامل كتاب المحتوى في وكالات التسويق والإبداع مع أنماط وموضوعات مختلفة ومتفاوتة جدًا في كتابة المحتوى، بين حسابات العملاء الرسمية والمرحة ذات الشخصية العفوية، حتى أنه في كثير من الأحيان يختلف نمط الكتابة في العلامة الواحدة حسب حالتها وموقفها، فتجد الكاتب يواجه عقبة صغيرة تحول بينه وبين الانتقال المتزن والسريع، لذلك في هذه الفقرة عدنا إلى نقطة البداية وأعدنا كذلك قراءة فهمنا لمعنى نبرة الصوت، لأن الفهم والاستيعاب نصف الحل!
بعدها طرحنا سؤالًا لافتًا: هل تكتب وأنت تفكِّر في القارئ، أم في العلامة؟ لننتقل أثناء هذا النقاش الصغير إلى تجربة تطبيقية مباشرة فيها تحدي طريف، يعتمد على كتابة جملة: «هناك تحديث جديد» كاختبار بسيط يعرِّفنا على نبرة صوت كل كاتب وشخصيته بدون أن يتكلم.

تفاجأنا أن استطعنا تخمين الأشخاص من خلال أساليبهم المتفردة، سواءً كانت النصوص مكتوبة بطريقة رسمية جدًا مثل «انتبه! هناك تحديث جديد، تواصل معنا في حال لديك استفسار»، أو بطريقة عفوية محلية مثل «احترونا، جايينكم بشكل جديد!».

ولأجل أن نخرج بطريقة ملهمة تساعد الكُتاب في الانتقال بين النبرات بسرعة واتزان؛ لخَّصنا تجربتنا في هذه النقاط:
- أنت كاتب وينبغي عليك أن تحدد نقاطك الأقوى والأضعف، إيمانك بها كـ (مهارة) سيجعلك تعرف قيمتها ويساعدك على تطويرها.
- اقرأ بعينك، ثم اقرأ بصوت عالٍ، ثم اقرأ بعينك مرة أخرى، لتختبر النبرة وتقيِّم الحالة فالوضوح وحده لا يكفي؛ التعبير هو ما يصنع الفرق.
- اجعل بقربك دليل مبسط يحتوي على مفاتيح سريعة مثل كلمات مفتاحية لكل نبرة تستخدمها، جمل وأمثلة شعبية، وأبيات شعر ملهمة، وبعض الروابط لحسابات تُتقن ضبط النبرات لأنه طبعًا لا مانع من الاستلهام.
شخصية الكاتب وشخصية العلامة
في النصف الثاني من اللقاء، انتقلنا للحديث عن نبرة الصوت في السياق التجاري، اتفقنا أن البراند لا يحتاج فقط أن يكون واضحًا، بل أن يكون معبرًا، والنبرة هي ما يُحوِّل المعلومات إلى إحساس، والإعلانات إلى علاقة.
وهنا استخدمنا مثالًا ذكيًا: تخيَّل أن العلامة التجارية شخصية حقيقية، ستكون أقرب لمن في أفراد عائلتك؟ الوالد أم الخال؟ أم ستكون الأخ الصغير المرح وكما نسميه «آخر العنقود».
الآن قِس على كل علامة تكتب لأجلها اختباراتك، كيف ستكون نبرة صوتها بناءً على الشخصية التي تخيلتها؟ نبرة ساخرة؟ أم جريئة؟ أم نبرة حكيم مليئة بالثقة؟
مقارنة بسيطة: كيف تُصنع نبرة الصوت؟ وكيف نكتشفها؟
توصَّلنا خلال النقاش إلى أن نبرة الصوت لا تُولد من فراغ، بل تتكوّن من أربعة عناصر أساسية: القيمة، والموقف، والجمهور، والسوق، والمنافسين.
القيمة: ماذا تمثل العلامة؟ ما المبادئ التي تتحدث بها؟
الموقف: من أي زاوية تتحدث؟ وهل أنت في وضعك الطبيعي أم تمر بأزمة إعلامية؟
الجمهور: من هو القارئ؟ وما الذي يربطه بك؟
السوق والمنافسون: ما الفرق الذي تريد أن تصنعه وسط كل هذا الزحام؟
أما اكتشاف النبرة، فيبدأ من الشعور الأول، ذلك الانطباع السريع الذي يصل إلى القارئ قبل أن يعي ما قرأ فعلًا! لذلك، انتبه للنبرة كما تنتبه لصوت المتحدث، راقب الكلمات المختارة، لاحظ الإيقاع واللهجة المستخدمة، تأمل العلامات البصرية المرافقة.
تمرين حي: الصوت يتشكّل من الداخل
أبرز لحظات اللقاء كانت حين طُلب من الحضور إعادة كتابة نفس الجملة بعدة نبرات، مرةً بنبرة اعتذار، ومرة بنبرة فخر، ومرةً بنبرة حكمة وثقة.
التمرين لم يكن عن اللغة فقط، بل عن موقع الكاتب من المعنى، كيف تقول نفس الفكرة بلهجة شعورية مختلفة تمامًا؟ استنتجنا أن التغيُّر يأتي من طريقة كتابتك للكلمات والرسالة المخفية خلفها، كذلك من الوعي العميق بالسياق والشخصية.
وتذكر دومًا أن الممثل الناجح هو من يتقن تقمص الأدوار مهما اختلفت الشخصيات والسيناريوهات.
ختامًا، أكثر ما تميَّز به لقاء «نبرة الصوت» أنه تجاوز موضوع الكتابة وانتقل لساحات أشمل ترتبط تفاصيلها بإستراتيجيات العلامات الشخصية أو التجارية، تلك الخطط التي نقرأها ونحن ندرك أننا جزء من بناء رحلة تواصل متكاملة، تبدأ بالألوان والهوية، لتصل إلى المحتوى المقروء والمسموع الذي يترجم صورتها الذهنية.
شكرًا لكل من حضر وشارك وكتب، أو أعاد التفكير من جديد، وشكر خاص لشركة زنجبيل للتسويق على حُسن الاستضافة والاحتواء، انتظرونا بالمزيد من الإثراء المعرفي الملهم.