مقدمة ديفيد أوجيلفي لكتاب «الإعلان العلمي»
في هذه المقدمة، يشارك ديفيد أوجيلفي كيف غيّر كتاب «الإعلان العلمي Scientific Advertising» نظرته للإعلان، ويشرح لماذا يعتقد أن أفكار كلود هوبكنز ما زالت ضرورية لكل من يعمل في هذا المجال.

عن ديفيد أوجيلفي
وُلد ديفيد أوجيلفي في إنجلترا عام 1911، وبدأت رحلته بعيدًا عن الإعلانات: ترك الجامعة مبكرًا، وعمل طباخًا، وبائعًا للأفران، وحتى مزارعًا. لكن حياته تغيّرت حين قرأ كتاب كلود هوبكنز الإعلان العلمي. لم يكن مجرد كتاب، بل بوصلته الأولى في عالم الإعلان.
لاحقًا، انتقل إلى أمريكا وأسس واحدة من أهم وكالات الإعلان في القرن العشرين: Ogilvy & Mather. بأسلوبه المبني على الفهم العميق للناس واللغة البسيطة والمقنعة، غير شكل الإعلانات. كان يرى أن الإعلان الناجح لا يصرخ، بل يتحدث بلغة الجمهور, ويسوق بالحجج لا بالصراخ، وكان شعاره الدائم: «كلما قلت أكثر، بعت أكثر».
اشتهر بأسلوبه الساخر والجاد في آن واحد، وبحس عملي يجمع بين الخيال والانضباط. كتبه لا تزال تُقرأ وتُدرَّس، ليس لأنها مراجع أكاديمية، بل لأنها تجارب حية كُتبت من قلب السوق.
عن هذه المقدمة
في عام 1965، كتب ديفيد أوجيلفي هذه المقدمة لطبعة جديدة من كتاب الإعلان العلمي، الذي نُشر لأول مرة عام 1923 على يد كلود هوبكنز، أحد أهم كتّاب الإعلانات في بدايات القرن العشرين.
كانت صناعة الإعلان قد تغيّرت كثيرًا وقتها، لكن أوجيلفي كان يرى أن المبادئ التي وضعها هوبكنز لا تزال صالحة. في هذه المقدمة، لا يقدّس النص الأصلي، بل يقرأه بعين ناقدة. يشيد بما أنجزه هوبكنز، ويشير بوضوح إلى ما تجاوزه الزمن، لكنه يذكِّرنا أن جوهر الإعلان لم يتغير: أن تفهم جمهورك، أن تقول الحقيقة، وأن تقيس النتائج.
المقدمة ليست فقط شهادة امتنان، بل دعوة صريحة للعودة إلى الأساسيات في زمن بدأ فيه الإعلان يركض خلف المظهر ويغفل الجوهر.
مقدمة ديفيد أوجيلفي لكتاب «الإعلان العلمي»
لا ينبغي لأحد، مهما كانت درجته أو خبرته، أن يقترب من مجال الإعلان قبل أن يقرأ هذا الكتاب سبع مرّات.
كتب كلود هوبكنز هذا الكتاب عام 1923. وقد أهداني إياه روسر ريفز، جزاه الله خيرًا، سنة 1938. ومنذ ذلك الحين، وزَّعت 379 نسخة منه على عملائي وزملائي.
في كل مرة أرى إعلانًا سيئًا، أقول لنفسي: "الشخص الذي كتب هذا الإعلان لم يقرأ كلود هوبكنز».
إذا قرأت هذا الكتاب، فلن تكتب إعلانًا رديئًا بعد اليوم، ولن تقبل به أيضًا.
لا تدع أسلوب هوبكنز المتقطع والجاف يثنيك. حين كان صبيًا، كان يذهب إلى الكنيسة خمس مرات كل أحد، وكان يحفظ معظم الكتاب المقدس عن ظهر قلب. ولهذا كتب بجمل قصيرة تشبه نصوص الإنجيل، لكن بلا جمالها.
ولا تنزعج من استخدامه الفضفاض لكلمة «علمي». كما أشار ألفريد بوليتز، هوبكنز لم يوضح الفرق بين ما توصَّل إليه بالتجربة المباشرة، وما استنتجه من الملاحظة العامة والتفكير المنطقي.
بعض استنتاجاته أثبتت الدراسات الحديثة خطأها. على سبيل المثال، لن يوافق الدكتور جالوب أو الدكتور ستارتش على قوله: «عند كتابة أي إعلان، فكِّر فقط في الزبائن الجدد، لأن من يستخدم منتجك لن يقرأ إعلاناتك».
ولا أظن أن شركة بروكتر آند جامبل ستتفق اليوم مع جملته: «أنجح معلن لمعجون أسنان لم يُشر أبدًا إلى مشاكل الأسنان في عناوينه».
كان هوبكنز يعتقد أن أصحاب التعليم الجامعي لا يصلحون لكتابة الإعلانات التي تستهدف عامة الناس؛ وربما يعود ذلك إلى أنه لم يذهب إلى الجامعة.
وكان يظن أن الصور مجرد مساحة مهدورة. ربما كان هذا صحيحًا قبل خمسين عامًا، حين كانت المجلات أرق، والمنافسة على انتباه القارئ أقل حدّة.
لكن، بعد 42 عامًا من كتابة هذا الكتاب، يكاد الجميع يتفق مع استنتاجاته التالية:
«أي سؤال تقريبًا يمكن الإجابة عليه بسرعة وبسعر زهيد عن طريق حملة تجريبية. هذه هي الطريقة، لا النقاشات الطويلة حول الطاولة.»
«الهدف الوحيد للإعلان هو البيع. يكون مربحًا أو لا، بناءً على المبيعات الفعلية.»
«كتاب الإعلانات ينسون دورهم كباعة، ويحاولون أداء أدوار مسرحية. يسعون للتصفيق بدلًا من البيع.»
«لا تحاول أن تكون فكاهيًا، فالإنفاق المالي أمر جاد.»
«كلما أمكن، يجب أن ندخل شخصية بشرية في الإعلان. لأنك حين تجعل شخصًا ما مشهورًا، تجعل منتجه مشهورًا معه.»
«من الشائع أن تغييرًا في العنوان يمكن أن يضاعف النتائج خمس أو عشر مرات.»
«يقال إن الناس لا يقرأون كثيرًا، لذا كن مختصرًا. هل تقول هذا لبائع؟ الإعلانات القصيرة لا تُختبر. كل إعلان ناجح يروي قصة كاملة. كلما أخبرت أكثر، بعت أكثر.»
«نحاول منح كل معلن أسلوبًا يناسبه. نعطيه هوية تلائم جمهوره. إيجاد هذه الهوية هو الإنجاز الأهم، فلا تملّ من السعي إليه.»
«العبارات العامة تنزلق من الفهم البشري كما ينزلق الماء عن ظهر البطة. الأرقام والحقائق الدقيقة تُؤخذ بجدية وتترك أثرًا حقيقيًا.»
وُلد كلود هوبكنز عام 1866 وتوفي سنة 1932. بدأ حياته واعظًا بصفة غير رسمية في السابعة عشرة، وكان يطمح لأن يصبح رجل دين. لكنه لاحقًا تمرد على التدين الصارم في أسرته، وعمل محاسبًا بأجر أسبوعي 4.5 دولارات.
لاحقًا، التحق بشركة المكانس «بيسل» وابتكر لها استراتيجيات بيعية منحتها هيمنة شبه كاملة على السوق. ثم انتقل إلى شركة «سويفت» كمدير إعلانات، ومنها إلى شركة أدوية في مدينة راسين، حيث أقنع وكالته بأن يكتب الإعلانات بنفسه، ليس فقط للعميل الذي كان هو مسؤول عنه، بل لعدة عملاء آخرين، منهم «مونتغمري وارد» و «شليتز بير».
عام 1908، حين كان في الحادية والأربعين، استدعاه ألبرت لاسكر ليكتب الإعلانات في وكالة «لورد أند توماس». كان راتبه السنوي 185 ألف دولار، ما يعادل 639 ألفًا بلغة ذلك الزمان (نحو 5 ملايين دولار بأسعار عام 2019). وقد استحق كل سنت.
نادراً ما أنهى يومه قبل منتصف الليل، وكانت طاقته الإبداعية لا تنضب. كانت آلته الكاتبة مسؤولة عن حملات شهيرة لمنتجات كثيرة مثل «بيبسودنت» و «بالموليف».
لكن هوبكنز لم يكن مجرد كاتب إعلانات بالمفهوم الضيق. كان رجلاً إعلانياً شاملاً. ابتكر طرقًا لفرض توزيع المنتجات الجديدة. وابتكر التسويق التجريبي، والعينات المجانية، وأبحاث الإعلان، وصور العلامة التجارية، وحتى مبدأ "احتكار الحقيقة". وكان يكتب نصوصًا تبيع فعلًا.
سرّ تفرّده يكمن في ثلاثة أمور: أولًا، أنه كان يعشق عمله. ثانيًا، أنه كان صاحب حضور مسرحي. وثالثًا، أنه كان مهووسًا بالتجريب، لا يتوقف عن اختبار أفكار جديدة بحثًا عن نتائج أفضل.
ومثل كثير من كبار كتّاب الإعلانات، لم يكن الإلهام يسعفه دائمًا. أكثر من مرة، وجده أقرباؤه جالسًا في حديقة عامة ليلًا وهو يائس بعد أيام بلا فكرة واحدة مقنعة.
كان يقول دائمًا: "لا شيء يُقنع مثل استعراض درامي واضح". ولهذا أعتقد أنه كان سينجح في التلفزيون كما نجح في الطباعة.
قد يلومه البعض على أنه أمضى حياته في إقناع الجمهور الأمريكي بما لا يحتاج، لكنه عاش في زمنٍ له مقاييسه. بل إن هوبكنز نفسه ندم في أواخر عمره على بعض الإعلانات التي كتبها لشركات الأدوية.
رغم خجله ولسانه المتلعثم، كان بارعًا في السرد وأستاذًا في الخطابة. كان يضع دائمًا وردة بنفسجية في سترته، ويمضغ عرق السوس الجاف ليقلّل من التدخين.
اشتهر بالبخل، لكن زوجته الثانية أقنعته بشراء يختٍ فاخر، وتوظيف جيش من البستانيين، وتأثيث قصره بأثاث فرنسي فاخر. كانت تستضيف ضيوفًا باستمرار، وكانت طاهيتها مشهورة، وتجلس لساعات تعزف له مقطوعات سكاراتي.
حتى بعد وفاته بثلاثة وثلاثين عامًا، كانت زوجته لا تزال على قيد الحياة ونشيطة.
في أواخر حياته، بدأ هوبكنز يشعر بالأسى لأنه جعل عملاءه أكثر ثراءً منه. وكان لا يهتم إلا بالإعلان. هناك شيء حزين في آخر جملة من سيرته الذاتية: «أسعد الناس هم من يعيشون أقرب ما يكون إلى الطبيعة، وهي ضرورة من ضرورات النجاح في الإعلان.»
— ديفيد أوجيلفي ديسمبر 1965