logo

شعارات الأندية.. هدف تسويقي أم بطاقة حمراء للهوية؟

في العقد الأخير، شهدت شعارات أندية كرة القدم حول العالم تغييرات جذرية قلبت ملامح رموز عاشت لعقود في وجدان الجماهير. فما هي أسباب هذه التغييرات؟ وما الذي قد يترتب عليها؟

شعارات الأندية.. هدف تسويقي أم بطاقة حمراء للهوية؟

في العقد الأخير، بدأت أندية كرة القدم حول العالم تسلك طريقًا مختلفًا في بناء هويتها البصرية. لم يعد الأمر مجرد تحديث بسيط على الألوان أو الخط، بل تغييرات جذرية قلبت ملامح شعارات عاشت لعقود في وجدان الجماهير.

الشعارات اليوم هي امتداد لصورة النادي التجارية، وأداة تسويقية تتصدر الحسابات الرسمية وصفحات المتاجر الإلكترونية. ومع أن هذه التغييرات تبدو منطقية في ظل التحول الرقمي، فإنها كثيرًا ما تواجه بموجة من الغضب الجماهيري. شعارات الأندية ليست مجرد أشكال. هي ذاكرة جماعية، ترتبط بلحظات الفوز والخسارة، وثابته في وجدان المشجعين بقدر ثباتها على قمصان الفريق.

بداية الحكاية: ترند عالمي يتسع

بدأت الحكاية في أوروبا، حين قررت الأندية أن الشعار يجب أن يقرأ جيدًا على الشاشة الكبيرة قبل الصغيرة. فقامت عدة أندية بتحديث شعاراتها مثل باريس سان جيرمان وانتر ميلان، أو تغييرها تمامًا مثل نادي يوفنتوس عام 2017 حين استغنى عن شعاره البيضاوي الشهير، ليقدم حرف "J" بسيطًا. الخطوة صدمت المشجعين، واعتبرها البعض خيانة للهوية، لكن الإدارة كانت ترى ما هو أبعد: جمهور عالمي، وسوق مفتوحة، ومنتجات تحمل رمزًا عصريًا سهل الاستخدام.

أما مانشستر سيتي، فقد سلك مسارًا أكثر سلمية. في عام 2015، بادر النادي بإشراك جماهيره في قرار تغيير الشعار، حيث أطلق حملة واسعة لجمع آرائهم ومقترحاتهم. أعربت الجماهير عن رغبتها في العودة إلى التصميم الدائري الكلاسيكي الذي استخدمه النادي في فترات سابقة. استجابةً لذلك، كشف النادي عن شعار جديد في ديسمبر 2015، مستوحى من التصاميم السابقة، ويضم رموزًا تاريخية مثل السفينة والوردة الحمراء، بالإضافة إلى سنة التأسيس 1894. هذا التغيير، الذي دخل حيز التنفيذ في موسم 2016–2017، عكس احترام النادي لتاريخه وتقديره لرغبات جماهيره، مما جعله مثالًا على كيفية دمج الحداثة مع الحفاظ على الهوية التقليدية.

بلكونة

لماذا تغير الأندية شعاراتها؟

السؤال يبدو بسيطًا، لكن خلفه دوافع كثيرة.

من جهة، هناك الحاجة إلى التوافق مع متطلبات العصر الرقمي. التطبيقات، منصات التواصل، وصور البروفايل الصغيرة، كلها تحتاج إلى شعار واضح وبسيط يسهل استخدامه على منتجات مختلفة ويزيد فرص بيعه.

ومن جهة أخرى، هناك الرغبة في مخاطبة جمهور جديد. مشجعون لا يرتبطون بالنادي من خلال تاريخه فقط، بل من خلال ما يمثله اليوم. والشعار أداة قوية في هذا السياق.

لكن هذا التغيير لا يمر دائمًا بسلاسة. لأن الشعار، بالنسبة للكثير من الجماهير، ليس مجرد رمز. هو امتداد للذكريات والانتماء، وحين يتغير دون مقدمات، يشعر البعض وكأن قطعة من ذاكرتهم قد اقتُلعت.

المشهد السعودي: بين الطموح والتحفّظ

لم تكن الأندية السعودية بعيدة عن هذا التوجه. في السنوات القليلة الماضية، بدأت بعض الأندية الكبرى، وأخرى متوسطة وصغيرة، في مراجعة هويتها البصرية. ومن اللافت أن التغيير لم يكن موحّدًا في أسبابه أو طريقته، بل تنوّع بين تغييرات شاملة وشعارات معدّلة بخفة:

الهلال

في 2022، أعلن الهلال عن شعاره الجديد. شعار يختصر كل شيء إلى حرف H داخل درع أزرق. تخلّى عن كرة القدم والهلال التقليدي وعن سنة التأسيس، واحتفظ بما هو كافٍ ليقال إنه ينتمي للهلال. الشعار بدا للوهلة الأولى وكأنه علامة تجارية جديدة لا علاقة لها بالنادي. المشجعون انقسموا. البعض رحب بالحداثة والبساطة، والبعض الآخر لم يجد نفسه في هذا الرمز. فالهلال، بالنسبة لهم، ليس مجرد حرف. هو تاريخ، بطولات، وأجيال.

بلكونة

الاتحاد

الاتحاد اختار مسارًا مختلفًا في تحديث شعاره. ففي عام 2015، وتحديدًا في يوليو، أعلنت إدارة النادي برئاسة إبراهيم البلوي عن شعار جديد، مختلف تمامًا وأقرب للشعارات القديمة وتضمن إضافة كلمة "جدة" باللغتين العربية والإنجليزية، مع الحفاظ على اللونين الأصفر والأسود وتاريخ التأسيس عام 1927.

منذ ذلك الحين، لم يُجرِ النادي تغييرات جذرية على الشعار، لكنه بدأ باستخدام نسخ مبسطة منه في بعض الأطقم والمنتجات. يبدو أن النادي يختبر رد فعل الجمهور قبل إعلان خطوة أكبر، وربما يربط هذه الخطوة مع احتفاله بالمئوية في 2027.

بلكونة

النصر

كشف النصر في مايو 2025 عن شعاره الجديد، بعد أشهر من الشائعات والتسريبات. الشعار الجديد دائري، يحمل خريطة الجزيرة العربية، وكلمة "NASSR" بخط واضح، وقد تخلّى عن التاج. التفاعل الجماهيري كان قويًا: هناك من رفضه بشكل قاطع، ورأى أنه غير ضروري، وآخرون تفهموا أن العصر تغير، وأن الشعار الجديد على الأقل لم يبتعد كثيرًا عن الشعارات القديمة أو يجرد النادي من هويته.

بلكونة

نادي الوحدة 

لكن أكثر التغييرات إثارة للجدل جاءت من نادي الوحدة. حين كشف النادي عن شعاره الجديد، لم يتوقع أحد أن يرى تنينًا يتصدر الهوية. نعم، تنين أحمر مرسوم بأسلوب أقرب للقصص الخيالية منه إلى الملاعب. جمهور النادي، الذي يفخر بانتمائه لمكة، وجد نفسه أمام سؤال لم يجد له إجابة: ما علاقة التنين بتاريخنا؟ ولماذا نغفل عن رمزية المدينة المقدسة التي ننتمي إليها؟

رأى كثيرون أن استخدام هذا الرمز لا يعبّر عن هوية النادي ولا عن البيئة الثقافية المحيطة به، بل هو أقرب لتقليد اتجاهات غربية لا تمت للسياق المحلي بصلة. وبينما دافع مسؤولو النادي عن التصميم باعتباره جزءًا من توجه جديد في الهوية البصرية، ظلّ الاستياء حاضرًا، وتحوّل التنين من مجرد عنصر بصري إلى رمز لغياب الحس بالانتماء.

بلكونة

الفتح والقادسية وغيرهم

رغم أن هذه الأندية لم تحظَ بنفس الزخم الجماهيري عند تغيير شعاراتها، إلا أنها قامت بتعديلات ملحوظة على هوياتها البصرية. فقد اتجهت أندية مثل الفتح، القادسية، الحزم، العروبة، الأخدود، الخلود، والطائي وغيرهم نحو تصاميم أكثر هندسية وعصرية، مع التركيز على البساطة والوضوح.

عند مقارنة هذه الشعارات جنبًا إلى جنب، نلاحظ تشابهًا في التوجه نحو البساطة والتجريد، مما أدى إلى اختفاء الكثير من الملامح التي كانت تعبر عن هوية كل نادٍ وإرثه التاريخي.

بلكونة

الأهلي السعودي ونيوكاسل الانجليزي: قصص في طور الكتابة

في الأهلي، القصة لم تكتمل بعد. النادي لم يعلن عن شعاره الجديد، لكن ظهرت عدة تلميحات، أبرزها كان رسم للشعار بطائرات الدرون خلال المسيرة الاحتفالية التي أُقيمت بعد فوز الفريق ببطولة دوري أبطال آسيا للنخبة. وخلال الأيام الماضية، ظهر هذا الشعار نفسه في موقع الهيئة السعودية للملكية الفكرية، من دون أي إعلان رسمي، ما فجّر موجة رفض شديدة من الجماهير، وصلت في كثير من التعليقات إلى حد القسوة. وبعد ساعات فقط، طفت إلى السطح نسختان إضافيتان من الشعار، ولا يزال من غير الواضح أيّ منها سيتم اعتماده رسميًا.

الجمهور ينتظر، ومعظمه متخوّف. فالتوجه العام لم يلق استحسان الكثيرين، وهو على وشك أن يطال ناديهم.

بلكونة

أما نيوكاسل الإنجليزي، المملوك لصندوق الاستثمارات العامة، فقد اختار أن يتعامل مع مسألة تغيير شعاره بحذر أكبر. فعندما أعلن النادي عن نيته في التغيير، شدد على أن الجماهير ستكون جزءًا أساسيًا من العملية، حيث سيتم عرض مجموعة من التصاميم على حاملي التذاكر الموسمية، ويُترك لهم القرار النهائي عبر التصويت لاختيار الشعار الجديد.

وتشير بعض الشائعات إلى أن إدارة النادي قد تميل إلى إعادة استخدام أحد التصاميم القديمة مع إدخال تعديلات طفيفة عليه.

بلكونة

نماذج ناجحة وأخرى فشلت

من التجارب التي نجحت نسبيًا، تجربة باريس سان جيرمان في 2013، حين أعاد تصميم شعاره ليُبرز كلمة "Paris" بشكل أكبر، مع تبسيط باقي التفاصيل. ساعدهم في ذلك أنهم كانوا في بداية مرحلة جديدة مع مُلّاك جدد وصفقات لامعة. 

بلكونة

أما التجارب الفاشلة، فأبرزها ليدز يونايتد، الذي أعلن عن شعار جديد في 2018، يضم صورة مشجع يضع يده على صدره. التصميم لم يعجب أحدًا. وبلغت حدة الرفض أن النادي اعتذر رسميًا وألغى المشروع بالكامل. وأتلتيكو مدريد أعلن في 2024 أنه سيعود لشعاره الكلاسيكي بعد استفتاء جماهيري. النادي قالها بصراحة: "أحيانًا القلب يعرف ما لا تدركه استراتيجيات التسويق".

بلكونة

هل من خط رجعة؟

في السعودية، لم نشهد حتى الآن تراجعًا رسميًا عن أي شعار، لكن الأندية باتت تدرك أن الجمهور ليس فقط مستهلكًا، بل شريك في بناء الهوية. ربما نشهد مستقبلاً تعديلات أو عودة للشعارات القديمة، وربما تنجح الأندية في ترسيخ هويتها الجديدة مع مرور الوقت.

خلاصة القول، 

تغيير الشعار ليس مجرد قرار تصميم. هو موقف من النادي تجاه تاريخه وجمهوره. قد تنجح الخطوة وتُحدث تحولًا إيجابيًا، وقد تكون عثرة تدفع الأندية ثمنها طويلًا. المهم أن يُدار التغيير بشفافية، وأن يكون المشجع جزءًا من الحكاية، لا مجرد متفرج عليها. فشعارات الأندية، ليست تفصيلة صغيرة، بل بحد ذاتها، قصة.

الهوية التاريخية - Historical Identity

الهوية التاريخية - Historical Identity

مجموعة من الخصائص أو الرموز أو القيم التي تعكس الخلفية الزمنية لكيان أو مجتمع معين، وتُبنى على مرّ الزمن.

الانتماء الجماهيري - Fan Affiliation

الانتماء الجماهيري - Fan Affiliation

الشعور بالولاء أو العلاقة العاطفية بين الأفراد وكيان معين، غالبًا ما يرتبط بالمجتمع أو الثقافة أو التجارب الشخصية.

تبسيط التصميم - Design Simplification

تبسيط التصميم - Design Simplification

إزالة العناصر المعقدة أو الزائدة في التصميم، بهدف تحقيق وضوح بصري وسهولة في الاستخدام أو الفهم.

إظهار المزيد
اقرأ المقال التالي

مقالات ذات صلة