«مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع» حيث تُصاغ معايير الإبداع في الإعلان
كل سنة، وفي بداية الصيف، تتجه أنظار العالم الإبداعي إلى مدينة كان الفرنسية. هناك، وتحديدًا في مهرجان «كان ليونز» الدولي للإبداع، يجتمع أبرز العاملين في الإعلان والتسويق وصناعة المحتوى للاحتفال بالأفكار التي تركت أثرًا، وتحديد ملامح ما هو قادم في هذا المجال المتغير باستمرار.

كل سنة، وفي بداية الصيف، تتجه أنظار العالم الإبداعي إلى مدينة كان الفرنسية. هناك، وتحديدًا في مهرجان «كان ليونز» الدولي للإبداع، يجتمع أبرز العاملين في الإعلان والتسويق وصناعة المحتوى للاحتفال بالأفكار التي تركت أثرًا، وتحديد ملامح ما هو قادم في هذا المجال المتغير باستمرار.
المهرجان، الذي يوصف بأنه «أوسكار الإعلان»، يُعد منصة لاكتشاف التحولات التي تمرّ بها ثقافة الإعلان، وتبادل الرؤى حول دور الإبداع في التأثير على الناس، إلى جانب كونه محفلًا لتكريم أبرز الأعمال.
من أين بدأ كل شيء؟
تعود بدايات مهرجان «كان ليونز الدولي للإبداع» إلى عام 1954، حين أُقيمت نسخته الأولى في مدينة البندقية الإيطالية بمبادرة من مجموعة تعمل في مجال الإعلانات التلفزيونية والسينمائية، رغبةً في تسليط الضوء على الإبداع في هذا النوع من الأعمال. شاركت في تلك النسخة 14 دولة، وجرى عرض 187 إعلانًا سينمائيًا. أما الجوائز، فكانت على شكل تماثيل لأسود مستوحاة من شعار ساحة «سان ماركو» الشهيرة، والتي أصبحت منذ ذلك الحين الرمز الدائم للمهرجان.
تنقّل المهرجان في بداياته بين البندقية وموناكو، إلى أن استقر في مدينة «كان» الفرنسية عام 1984، ليبدأ مرحلة جديدة من التوسع والتحوّل. لم يعد محصورًا في الإعلانات السينمائية أو التلفزيونية، بل فتح أبوابه أمام مختلف أشكال الإبداع في مجالات الإعلان، التسويق، التصميم، التكنولوجيا، الترفيه، وغيرها.
اليوم، يُعد مهرجان «كان ليونز» أكبر تجمع عالمي لصناعة الإبداع التجاري، حيث يشارك فيه آلاف المتخصصين من أكثر من 90 دولة، وتُعرض خلاله آلاف الحملات والأفكار التي تعكس تحولات السوق وسلوك المستهلك. وقد أصبح الفوز بجائزة من مهرجان كان ليونز علامة فارقة في مسيرة أي علامة تجارية أو وكالة، ودليلًا على التميّز في الفكرة والتنفيذ والتأثير.
مهرجان يعكس تغيّر العالم
واحدة من أبرز نقاط قوة مهرجان كان ليونز هي قدرته على التطور. فكلما تغيّر سلوك المستهلكين أو ظهرت أدوات جديدة، كان المهرجان يلتقط هذه التحولات ويترجمها إلى فئات جوائز جديدة. حين انتشرت الإعلانات الرقمية، أُضيفت جوائز «Cyber Lions»، وعندما بدأت الهواتف الذكية في تغيير شكل الاتصال، ظهرت جوائز للموبايل «Mobile Lions». واليوم، مع هيمنة المحتوى على المنصات الاجتماعية، يتم تسليط الضوء على أعمال صُنعت بالشراكة مع المؤثرين ومنشئي المحتوى «Social & Influencer Lions».
لكن المسألة لا تتعلق فقط بالتقنية، بل بما تمثّله الإعلانات نفسها. ففي السنوات الأخيرة، أصبح واضحًا أن المستهلكين يتوقعون من العلامات التجارية أكثر من مجرد ترويج للمنتج. يتطلعون إلى مواقف، إلى إنسانية، وإلى رسائل تلامس قضاياهم. ولهذا أطلق المهرجان جوائز مثل «الأسد الزجاجي» «Glass: The Lion for Change» التي تحتفي بالحملات المناصرة للمساواة، وجائزة «أهداف التنمية المستدامة» «Sustainable Development Goals Lions» التي تدعم الأعمال المرتبطة بقضايا بيئية واجتماعية.
في رسالة واضحة مفادها أن الإعلان لم يعد مجرد أداة لشد الانتباه، بل وسيلة يمكن أن تغير القناعات، وتُحدث فرقًا.
نسخة 2025: تركيز على المبدعين والمجتمعات الرقمية
في نسخة هذا العام، يشهد المهرجان تعديلات جديدة تعكس استمرار التحولات في الصناعة. من أهمها إعادة تسمية فئة «التواصل الاجتماعي والمؤثرين» «Social & Influencer Lions» لتصبح «التواصل الاجتماعي والمبدعين» «Social & Creator Lions».
إلى جانب تغيير الاسم، أعلن المهرجان عن خمس فئات فرعية جديدة لعام 2025 تركِّز على صناع المحتوى، وهي:
تعاون المبدعين (Creator Collaborations): تكريم الأعمال التي تنفذها العلامات التجارية بشراكة حقيقية مع صنّاع المحتوى.
استراتيجية المحتوى (Content Strategy): تقدير التخطيط الذكي للمحتوى الذي يلقى صدىً واسعًا على الإنترنت.
بناء المجتمعات (Community Building): للمبادرات التي تنشئ مجتمعات متفاعلة حول العلامة التجارية.
سرد متعدد المنصات (Cross-Platform Storytelling): إبراز السرد الإبداعي الذي يُقدَّم بسلاسة عبر المنصات الاجتماعية.
التميّز في الحِرفية (Excellence in Craft): الاحتفاء بالإنتاج عالي الجودة والحرفة المتقنة في المحتوى الذي يقوده صناع المحتوى.
هذه الخطوة جاءت بعد ملاحظات بأن الكثير من الأعمال الإبداعية على منصات مثل تيك توك ويوتيوب لم تكن تحظى بالاعتراف الكافي ضمن الجوائز.
كما تستمر موضوعات مثل الذكاء الاصطناعي، واستخدام البيانات، وبناء المجتمعات الرقمية في فرض حضورها ضمن محتوى المهرجان. وبما أن هذه المواضيع أصبحت جزءًا أساسيًا من أدوات الإبداع الحديثة، فإن تخصيص مساحات للحديث عنها ليس مجرد مجاراة للموضة، بل ضرورة لفهم كيف يُصنع التأثير الحقيقي اليوم.
السعودية والمنطقة
رغم أن مهرجان «كان ليونز» كان لسنوات طويلة حكرًا على وكالات أوروبا وأمريكا، فإن السنوات الأخيرة شهدت صعودًا لافتًا لحملات من الشرق الأوسط. ففي عام 2023، حققت السعودية إنجازًا تاريخيًا بفوزها بأول «غراند بري» في تاريخها، عن حملة «Subconscious Order» لتطبيق «HungerStation»، التي نفذتها وكالة «Wunderman Thompson Riyadh». استثمرت الحملة تقنيات تتبع العين والذكاء الاصطناعي لمساعدة المستخدمين المترددين على اتخاذ قرار الطلب، واعتُبرت من قبل لجنة التحكيم فكرة مبتكرة وعملية في آنٍ معًا، كما حصدت إلى جانب الجائزة الكبرى كلاً من «Gold» و«Silver Lions» ضمن فئات مثل «Creative Data» و«Innovation»، ما يعكس تكاملها من حيث الفكرة والتنفيذ التقني.
في عام 2024، واصلت المنطقة حضورها اللافت، حيث فازت وكالات من السعودية والإمارات بـ 22 جائزة، توزعت على 15 حملة مختلفة. من بينها حملة لشركة «الخطوط السعودية» بعنوان «ProtecTasbih» من تنفيذ وكالة «Leo Burnett Saudi Arabia»، والتي حصلت على «Gold Lion» في فئة «Health & Wellness»، إلى جانب جوائز برونزية. كما حققت وكالة «Impact BBDO» في دبي، و«Leo Burnett» في جدة، جوائز متعددة عن أعمال مختلفة، شملت فئات الفيلم والطباعة والعلاقات العامة والاستراتيجية الإبداعية. هذه النجاحات تُظهر أن الوكالات العاملة في المنطقة لا تقدم فقط حلولًا إبداعية متميزة، بل تبرع في صياغة رسائل متجذّرة في سياقها الثقافي، وقادرة في الوقت نفسه على إقناع لجان التحكيم الدولية.
في الختام: لماذا يهمنا مهرجان كان ليونز؟
لأن الإبداع ليس ترفًا. ولأن الأفكار التي تُكرّم اليوم في «كان» قد تصبح معيارًا غدًا في كيفية تواصل العلامات التجارية مع الناس. المهرجان يمنحنا فرصة لرؤية الصورة الكبيرة، ولمقارنة أفكارنا بما يحدث في العالم، وللتفكير في السؤال الأهم: كيف يمكن لفكرة نابعة من شارع في جدة أو حي في الرياض أن تلامس إنسانًا في طوكيو أو نيويورك؟
مهرجان «كان ليونز» ليس فقط للوكالات الكبرى، بل لكل من يرى في الإبداع وسيلة للتغيير. ونحن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نملك الأدوات، والقصص، والعقول التي تستحق أن تُسمع على هذه المنصات العالمية.