الشهرة غير المقصودة: رمية من غير رامي
ليست كل ضجة وراءها خطة، أحيانًا لحظة عابرة كافية لتغيير كل شيء. وهذه اللحظات، رغم عفويتها، قد تترك أثرًا لا تصنعه أقوى الحملات.

غالبًا ما تبدأ رحلة أي منتج بخطة مدروسة: ميزانية محددة، رسائل مصاغة بعناية، وأفكار تسويقية إبداعية تهدف لجذب الانتباه. لكن أحيانًا، تظهر بعض المنتجات فجأة في مشهد عابر أو فيديو عفوي، وتكون الصدفة خير من ألف ميعاد.
هذه الظاهرة تُعرف في التسويق باسم «الشهرة غير المقصودة» أو Accidental Fame، وتعني أن منتجًا ما يحظى بانتباه واسع دون أن يكون ذلك جزءًا من خطة إعلانية مسبقة. اللحظة نفسها لا يمكن التنبؤ بها، ولا تكرارها، لكن يمكن التفاعل معها حين تحدث.
إعلان الرومانسية في زيارة ترامب
في مايو ٢٠٢٥، كانت أنظار العالم متجهة نحو الرياض. موكب رسمي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحرك في شوارع العاصمة. الحدث سياسي من الدرجة الأولى، لكن ما لفت انتباه الناس ليس سيارات موكب الرئيس، ولا الأعلام المصفوفة على أعمدة الشوارع، بل إعلان لمطاعم الرومانسية.
في فيديو نشره دان سكافينو، مساعد الرئيس ترامب ونائب رئيس موظفي البيت الأبيض، على صفحته في X, ظهر إعلان لسلسلة مطاعم الرومانسية على أحد شاشات الإعلانات الخارجية. لم يظهر الإعلان سوى لثوان معدودة، لكنه كان واضحًا بما يكفي ليسرق الأضواء ويصبح نجم اللحظة.

المقطع انتشر بشكل واسع محليًا وعالميًا، وبدأت التعليقات تتوالى على X وتيك توك. البعض رأى أن الرومانسية حصلت على «أقوى إعلان مجاني في السنة».
أمثلة عالمية
ما حدث مع الرومانسية ليس حدث غير مسبوق. حول العالم، هناك أمثلة كثيرة لمنتجات وعلامات تجارية وجدت نفسها في دائرة الضوء دون أن تطلب ذلك أو تخطط له.
عصير Ocean Spray: في عام ٢٠٢٠، نشر رجل أمريكي مقطعًا له وهو يتزلج على لوح، ويحتسي عصير التوت من Ocean Spray، ويغني مع أغنية «Dreams» لفليتوود ماك. الفيديو كان بسيط وعفوي للغاية، ولعل هذا ما ساهم في انتشاره بشكل هائل ووصول مشاهداته إلى عشرات الملايين. الشركة لم تكن وراء الفيديو، لكنها تفاعلت معه بشكل إيجابي، وقدمت له لاحقًا شاحنة صغيرة بلون العصير.

مشروب Grimace من ماكدونالدز: في ٢٠٢٣، وجدت مكدونالدز نفسها وسط ترند غريب. أطلقت مشروبًا بنفسجيًا بمناسبة عيد ميلاد شخصية «غريماس». المستخدمون على تيك توك حولوه إلى ترند ساخر، يصورون أنفسهم وهم «ينهارون» بعد شربه. لم تكن هذه النتيجة متوقعة من الحملة، لكنها حصدت أكثر من ٣ مليار مشاهدة على تيك توك. الشركة بدورها لم تحاول إيقاف الموجة، بل تفاعلت معها بطريقة مرنة ومرحة.

كوب ستاربكس في Game of Thrones: في أحد مشاهد المسلسل الشهير، ظهر كوب قهوة على الطاولة في مشهد كان من المفترض أن يكون في عالم خيالي أقرب ما يكون للعصور الوسطى حيث لا وجود للقهوة أو لستاربكس. ظهرت هذه اللقطة في مزاج عام محتقن جدًا من جماهير المسلسل التي كانت تشعر بخيبة أمل من طريقة سير الأحداث في الموسم الأخير، فكان الكوب الورقي هو القشة التي قسمت ظهر البعير فبدأت النكات والميمز تنتشر كالنار في الهشيم. وبالرغم من أن الكوب لم يظهر عليه شعار ستاربكس بوضوح، إلا أن الكثيرين ربطوه بالعلامة التجارية، وتقديرات إعلامية أشارت إلى أن قيمة الانتشار الذي حصدته ستاربكس من هذه اللقطة قد يصل إلى مليارات الدولارات.

نظارات Ray-Ban في فيلم Risky Business: توم كروز ارتدى هذه النظارات في أحد المشاهد الشهيرة، دون أن تكون جزءًا من حملة تسويقية مدفوعة. بعد عرض الفيلم، ارتفعت مبيعات النظارات بشكل غير مسبوق، وعاد هذا الطراز إلى الواجهة.

لماذا تنتشر هذه اللحظات؟
هناك أسباب مشتركة تجعل هذه اللحظات العفوية تتحول إلى مادة قابلة للانتشار:
العفوية: في عالم يحكمه المحتوى المُوجه، أصبح الجمهور يتعامل بحذر مع الإعلانات المباشرة وينفر منها. لذلك عندما تظهر علامة تجارية في سياق غير متوقع أو حقيقي، فإن ذلك يقربها للمتلقي بطريقة سلسة وعفوية تعجز عنها الحملات التسويقية.
التكرار والمشاركة: عندما يُعاد نشر الفيديو أو الصورة في أكثر من منصة، أو تتناولها وسائل الإعلام، تصبح جزءًا من حديث الناس لفترة أطول. ما حدث مع Ocean Spray مثلًا، انتقل من تيك توك إلى الأخبار التلفزيونية ثم إلى مقاطع الريميكس.
قابلية التحول إلى «ميم»: بعض اللحظات تملك هذا العنصر الغريب أو الظريف الذي يجعلها قابلة للتداول كمزحة أو محتوى ساخر، وهذا ما حدث مع مشروب Grimace.
السياق والتوقيت: التوقيت يلعب دورًا مهمًا. ظهور منتج معين في لحظة حساسة أو في محتوى يشاهده الملايين في وقت واحد قد يكون كافيًا لدفعه إلى الصدارة، حتى لو لم يُذكر اسمه بشكل مباشر.
كيف استجابت العلامات التجارية
أغلب الشركات التي واجهت هذه اللحظات تعاملت معها بحذر ذكي. لم تحاول السيطرة على الموقف أو تحويله إلى حملة بشكل مباشر، بل راقبت ردود الفعل، ثم تدخلت بشكل بسيط ومدروس.
شركة Ocean Spray مثلًا لم تطلق إعلانًا سريعًا، بل اختارت أن تتفاعل مع بطل الفيديو بأسلوب إنساني. أهدته شاحنة، وتشاركت الفيديو معه دون أن تحوّله إلى حملة ترويجية مزعجة.

ماكدونالدز، من جهة أخرى، اختارت الدخول في المزحة. نشرت تغريدات ساخرة، وشاركت جمهورها النكات المرتبطة بمشروب Grimace.

علّقت مطاعم الرومانسية على منشور دان سكافينو بطريقة طريفة، واستثمرت التفاعل بمنح مستخدمي تطبيقها توصيل مجاني ليوم واحد.

بعض العلامات الأخرى اختارت الصمت. ستاربكس لم تصدر أي تعليق رسمي على الكوب الذي ظهر في Game of Thrones، لكنها حصدت نتائج الانتشار بكل هدوء.
خلاصة القول،
لا يمكنك التخطيط لهذه اللحظات، لكن يمكنك استغلالها متى ما حدثت.
الشهرة غير المقصودة ليست شيئًا يمكن صناعته أو تكراره. لا يمكن لأي علامة تجارية أن تضمن أن منتجها سيظهر فجأة في مشهد مؤثر أو فيديو ساخر ويحصل على ملايين المشاهدات. لكن ما يمكن فعله هو الاستعداد لهذه اللحظات.
المتابعة المستمرة، الجاهزية للرد السريع، والتفاعل الذكي مع الجمهور، كلها عناصر تجعل العلامة قادرة على الاستفادة من هذه الفرص عندما تظهر. التحدي ليس في السعي خلف الصدفة، بل في معرفة كيف يمكن الاستفادة منها دون أن تفسدها.
الأهم هو أن تظل العلامة وفية لصوتها ولأسلوبها، وألا تحاول سرقة اللحظة أو تحويلها إلى إعلان فج. الجمهور ذكي، ويمكنه أن يميز بين من يركب الموجة بذكاء، ومن يحاول افتعالها بلا سبب.
وفي عالم يتحرك بسرعة، لحظات مثل تلك التي عاشتها الرومانسية قد لا تتكرر، لكنها تذكرنا دائمًا بأن بعض القصص لا تحتاج إلى خطة، بل إلى عين تلتقطها في وقتها، وعقل يعرف كيف يتعامل معها.