«لابوبو» كيف تحولت دمية غريبة إلى ظاهرة؟
دمية غريبة غزت السوق بدون إعلان، ورفعت أرباح شركة كاملة بنسبة 170٪. «لابوبو» حالة تسويقية تستحق التأمل.

لو كنت تتابع وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا، فغالبًا مرّ بك مشهد لطابور طويل أمام متجر، أو مقطع لشخص يفتح صندوقًا صغيرًا بحماسة، أو خبر عن توقف مبيعات منتج غريب في لندن بسبب الازدحام. بطل هذه المشاهد؟ شخصية صغيرة بأسنان حادة تُدعى «لابوبو».
كيف بدأت الحكاية؟
الفنان كاسينغ لونغ من هونغ كونغ رسم شخصية «لابوبو» ضمن سلسلة بعنوان «The Monsters». مظهرها غريب: مزيج من أرنب وكائن خيالي، بأسنان بارزة وابتسامة مشاكسة. تصميم لابوبو يحمل بُعدًا فنيًا مميزًا، لا يشبه الشخصيات التجارية المعتادة.
في عام 2019، وقعت شركة Pop Mart الصينية شراكة مع الفنان لتحويل لابوبو إلى شخصية ملموسة تباع في المتاجر والمواقع. ومن هنا بدأت الحكاية تتحول من فن شخصي إلى ثقافة جماهيرية.
كل شيء بدأ بصورة
رغم أن شركة Pop Mart أطلقت شخصية «لابوبو» قبل سنوات، إلا أن اللحظة التي غيّرت كل شيء جاءت في ربيع 2024. نشرت ليسا (عضوة فرقة BLACKPINK) صورة وهي تحتضن الدمية، دون تعليق يُذكر.
و بالتدريج، بدأت «لابوبو» تظهر في منشورات المؤثرين، ثم في فيديوهات تيك توك، ثم في الأسواق. ظهرت مع ريهانا، مع ليزو، وفي محتوى لمؤثرين محليين. تحولت إلى شيء يتكرر وجوده من حولك حتى لو لم تكن تبحث عنه. وفي الربع الأول من عام 2025، أعلنت Pop Mart أن أرباحها ارتفعت بنسبة 170٪، بفضل منتج واحد فقط.
الـ FOMO.. أداة لا يستهان بها
الناس لم ينجذبوا إلى لابوبو لأنهم بحاجة إليها، بل لأن الآخرين فعلوا ذلك أولًا. انتشرت الفيديوهات، وبدأت تظهر مجتمعات رقمية تتبادل الصور والنصائح، وتفاخر البعض بالحصول على النسخ النادرة. وهكذا، أصبحت التجربة جماعية، وتحولت من استهلاك إلى انتماء.
أن ترى «لابوبو» في يد صديقك، ثم في يد زميلك، ثم في محتوى تظهر فيه حقيبة بشعار فخم ودمية معلقة عليها… كل ذلك يولّد شعورًا خفيًا بأن هناك حلقة لا تريد أن تكون خارجها.
ما حدث يشبه ما رأيناه سابقًا مع أكواب «ستانلي» أو أحذية Yeezy. في كل حالة، لم يكن المنتج وحده هو البطل، بل شعور الناس بأنهم جزء من لحظة أكبر. الإنسان بطبيعته يخشى أن يفوّت الفرصة. عندما نعلم أن المنتج سينفد قريبًا، أو أن الكمية محدودة، يزداد حماسنا للحصول عليه، حتى وإن لم نكن نخطط لذلك من قبل. هذا الشعور يعرف باسم «الخوف من تفويت الفرصة» أو Fear of Missing Out (FOMO)، ويُعد من أكثر الدوافع تأثيرًا في قرارات الشراء.
في بحث موسّع نشر عام 2023 في مجلة Psychology & Marketing، جمع الباحثون نتائج أكثر من 100 دراسة سابقة، ووجدوا أن رسائل الندرة ترفع بشكل واضح من احتمالية الشراء، خصوصًا إذا كانت مرتبطة بقصة شخصية، أو تفاعل اجتماعي، أو عنصر مفاجأة. الناس لا يشترون المنتج فقط، بل يشترون الإحساس بتميّزهم، بشعور «أنا لحقت قبل ما يخلص».
وهنا يكمن الفرق بين العرض التقليدي والعرض المحدود: الأول يخاطب المنطق، والثاني يخاطب الرغبة.
المفاجأة التي لا يمكن مقاومتها
جزء كبير من جاذبية «لابوبو» يكمن في الطريقة التي تُباع بها. كل دمية تأتي في صندوق مغلق، لا تعرف أي نسخة ستجد بداخلها. قد تكون النادرة، وقد تكون المكررة. هذه «الصناديق العمياء Blind Boxes» تحرك في الناس فضولًا فطريًا. يشبه نوعًا ما ألعاب الحظ: قد تربح، وقد لا تربح، لكنك تعود لتجرب من جديد. هذه هو نمط التحفيز والإشباع المتقطع نفسه الذي تستخدمه تطبيقات الألعاب أو أنظمة الجوائز المتغيرة.
صدفة أم استراتيجية مدروسة؟
كل شيء في طريقة طرح «لابوبو» محسوب بدقة: الإصدارات محدودة، والتصاميم تتغير باستمرار، وبعض النسخ تختفي بعد فترة قصيرة. Pop Mart لا تطرح جميع النسخ في جميع الأسواق. هناك نسخ خاصة تُباع فقط في طوكيو، وأخرى موسمية.
هذا النمط من «التسويق بالندرة» ليس جديدًا، لكنه فعّال. وقد استخدمته من قبل علامات تجارية عالمية مثل Nike و Supreme، حيث يتم طرح منتجات بكميات قليلة، في أوقات محددة، دون أي وعود بتوفّرها لاحقًا.
وفي حالة «لابوبو»، ساهمت هذه الندرة في بناء سوق موازٍ: بدأ البعض بإعادة بيع النسخ النادرة بأسعار مضاعفة على مواقع مثل eBay أو StockX، ووصلت بعض المجسمات إلى أسعار تتجاوز 10,000 ريال سعودي.
هذه التجربة لم تعد مجرد اقتناء منتج، بل أصبحت أشبه بالمزاد: من يشتري أولًا، ومن يربح النسخة الأندر، ومن يشارك نجاحه على الإنترنت ويحول تجربته إلى محتوى.
الانتشار بلا إعلانات
رغم كل هذا النجاح، لم تطلق Pop Mart حملات تسويقية ضخمة. ومع ذلك، وجدت لابوبو طريقها إلى الناس. ظهرت مع ريهانا، مع ليزو، في فيديوهات على تيك توك، وفي محتوى لمؤثرين محليين.
من اللافت كذلك أن الانتشار لم يكن عبر المؤثرين التقليديين في قطاع الألعاب أو الدمى، بل من خلال مؤثرين في مجالات مثل الموضة، واللايف ستايل، وحتى الطبخ. وكل مرة، كانت «لابوبو» تظهر بهدوء… في الخلفية، أو معلقة على الحقيبة، أو على الطاولة بجانب كوب قهوة.
هذه الطريقة – التي تُشبه التسلل – كانت أكثر فاعلية من أي إعلان مباشر. لأنها جعلت الدمية جزءًا من حياة الناس، وليس حملة تستهدفهم. لا أحد يحب أن يُباع عليه شيء. لكن الجميع يحب أن يكتشف شيئًا بنفسه.
هل كل ما يصعد… لا بد أن يهبط؟
أي منتج يصل إلى هذا المستوى من الضجيج، يواجه سؤالًا واضحًا: هل هذا النجاح لحظة مؤقتة؟ أم أنه بداية لمسار طويل؟ «لابوبو» اليوم في ذروتها.. هل تستمر؟ هل تبني قاعدة مستدامة؟ أم تنطفئ مع موجة جديدة؟
في الصين، بدأت أصوات تحذّر من تأثير «الصناديق العمياء» على الأطفال والمستهلكين، وظهرت مطالبات بتنظيمها قانونيًا. أما على مستوى السوق العالمي، فهناك علامات تشير إلى بداية «تشبع»، خصوصًا إذا لم تُطور Pop Mart التجربة نحو شيء أوسع من مجرد اقتناء متكرر.
وإن كانت «لابوبو» اليوم رمزًا، فهل تكون غدًا مجرد ذكرى وتنطفئ مع موجة جديدة؟ الزمن وحده كفيل الإجابة.
وماذا نتعلم من كل هذا؟
ليس الدرس هنا في تصميم المنتج، بل في فهم الناس.
«لابوبو» لم تُفرض على السوق، بل انتشرت لأنها جاءت في توقيت مناسب، وصعدت بهدوء. الناس انجذبوا إليها لأنها غريبة قليلًا و«كيوت» بطريقة مختلفة. ولأنها كذلك لم تُقدَّم لهم بطريقة مباشرة، بل اكتشفوها بأنفسهم.
المستهلك اليوم لا يبحث فقط عن منتج، بل عن تجربة. عن قصة يرويها، أو لحظة يوثقها، أو شعور يشاركه مع الآخرين. وهو مستعد أن يدفع ويشارك ويعود، متى ما شعر أن ما أمامه مختلف، ولو بشيء بسيط.