logo

حضور الذكاء الاصطناعي في إعلانات اليوم الوطني الــ 95

ما الذي يدفع العلامات التجارية والوكالات إلى اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي؟ وهل أسهم فعلًا في تطوير الفكرة وتعزيزها، أم أنه أضعفها تحت ثقل التقنية؟

حضور الذكاء الاصطناعي في إعلانات اليوم الوطني الــ 95

خلال العامين الأخيرين، بدأ حضور الذكاء الاصطناعي يتزايد تدريجيًا في الحملات الإعلانية. من الصور المولدة إلى الفيديوهات التي تُنتج بالكامل عبر أدواته، أخذ الذكاء الاصطناعي مكانه كجزء ثابت من لغة الإبداع الجديدة في السوق.

وفي اليوم الوطني تحديدًا، الذي يُعد الساحة الأبرز للتنافس الإعلاني في السعودية، شهد هذا العام حضور واضح للذكاء الاصطناعي في كثير من الحملات.

هذا التحوّل يثير أسئلة كثيرة حول طبيعة هذا الحضور: ما الذي يدفع العلامات التجارية والوكالات إلى اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي؟ وهل أسهم فعلًا في تطوير الفكرة وتعزيزها، أم أنه أضعفها تحت ثقل التقنية؟ وكيف تفاعل الجمهور مع هذه التجربة الجديدة التي تجمع بين الحس الإنساني والخوارزمية؟

بداية الموجة وشكلها اليوم

البداية كانت في عام 2022، مع إطلاق Midjourney للعامة. في ذلك الوقت كان حضور الذكاء الاصطناعي في الحملات الإعلانية خجول ومحدود جدًا، والعلامات التجارية مترددة في استخدامه؛ خشيةً من ردة فعل سلبية، أو لأنها ببساطة اعتادت العمل بدونه فلم تجد فيه حاجة ملحّة بعد.

ثم في عامي 2023 و 2024 تزايد الحضور، في البداية باستعمالات بسيطة في بعض المشاهد بهدف تحسينها أو عوضًا عن مشاهد من الصعب تنفيذها.   

أما في 2025 فالحضور لم يعد حضورًا، إنما تحول إلى ركيزة تستند عليها معظم الإعلانات. الغالبية العظمى من الجهات استعملت أدوات الذكاء في مرحلة من مراحل الإنتاج، وهناك من بنى الإعلان عليها بالكامل.

بعض الإعلانات هذا العام صُنعت من الألف إلى الياء بأدوات الذكاء الاصطناعي: الصورة، والصوت، وتحريك العناصر. وفي هذا دلالة على مرحلة جديدة في علاقة الإبداع بالتقنية، حيث بات بإمكان فريق صغير إنجاز عمل كان يتطلب سابقًا طواقم تصوير ومونتاج وتصميم متكاملة.

ولعل في هذا التطور السريع انعكاس لسرعة تطور الذكاء الاصطناعي نفسه. 

لماذا تلجأ العلامات والوكالات إلى الذكاء الاصطناعي؟

تتعدد الأسباب، لكن القاسم المشترك بينها هو الرغبة في تحقيق المزيد بوقت أقل.

تلجأ العلامات التجارية والوكالات إلى الذكاء الاصطناعي لتقليل التكاليف وتسريع التنفيذ، خاصة في موسم اليوم الوطني، حين تتزاحم العشرات من العلامات على كسب الانتباه خلال فترة قصيرة. 

بضغطة زر، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يولّد عشرات التصاميم أو المقاطع، ويمنح الفريق خيارات بصرية يصعب الوصول إليها في الظروف العادية. وبتكاليف أقل بكثير من الإنتاج التقليدي. لذلك نرى دور الذكاء يبرز بشدة في المشاهد التاريخية في الإعلانات والتي يتطلب تصويرها ميزانيات ضخمة. 

كما يستعمله البعض بهدف تجريب أدوات جديدة تمنحهم طابع عصري يعكس مواكبتهم للتقنية، خاصة مع تصاعد الخطاب العالمي حول الذكاء الاصطناعي في الإبداع. وهناك كذلك من يستخدمه بدافع الاستعراض أو الفضول، رغبةً في خوض التجربة حتى وإن لم تكن هناك حاجة فعلية ملحّة.

لكن خلف هذا كله دافع خفي آخر: الخوف من البقاء خلف الركب.

في سوق يتغير بسرعة مثل سوق الإعلانات، مجرد التأخر في تبني الأدوات الجديدة قد يُفسَّر كعلامة على التراجع. ولهذا، أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات الأخيرة ليس خيار تقني فحسب، بل أيضًا خطوة رمزية تشير إلى أن الجهة «حاضرة» في زمنها. 

الأداة لا تُغني عن الفكرة

كثير من الأعمال التي استعملت الذكاء الاصطناعي لاقت استحسان كبير من الجمهور، فهو بحد ذاته ليس سبب لرفض العمل أو انتقاده. الجمهور اليوم أكثر تقبلًا للتقنية، وما يهمه في النهاية هو الفكرة وطريقة توظيفها.

أما الأعمال التي لم تحظَ بإعجاب الجمهور هي تلك التي انشغلت بالشكل وأهملت المضمون. لم يكن الامتعاض من استخدام الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل من طريقة توظيفه. فعندما يظهر الزي السعودي بطريقة غير دقيقة، أو تُقدَّم التفاصيل بعشوائية، يشعر المشاهد أن التقنية تُستخدم لغرض الاستخدام فقط بدون قيمة أو فائدة حقيقية للفكرة. 

استخدام أدوات حديثة لا يعوّض غياب الفكرة. فالكثير من إعلانات هذا العام بدت متشابهة رغم اختلاف الجهات، لأنها اعتمدت على التقنية أكثر مما اعتمدت على الاجتهاد الإبداعي، فمرّت مرور الكرام وسط صخب اليوم الوطني، ولم تكن في الحقيقة أكثر من «أداء واجب».

غالبًا ما ينتقد الجمهور الأعمال حين تُفرط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتُهمِل المضمون. وفي وقت بدأ فيه التكرار يغلب على معظم الإعلانات، أصبحت الفكرة المميزة والمبتكرة هي رأس المال الحقيقي لأي عمل إبداعي.

خلاصة القول، 

الذكاء الاصطناعي بات جزءًا لا يتجزأ من المشهد الإعلاني في السعودية، وحضوره سيتزايد في الأعوام القادمة.

لكن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في إتقان استخدامه، بل في توجيهه لابتكار محتوى ذو قيمة وأثر.

ففي النهاية، الإعلان الذي يبقى في الذاكرة ليس الأجمل شكلًا، بل الأصدق إحساسًا، والإبداع لا يقاس بعدد الأدوات المستخدمة، بل بما تخلقه من معنى.

الذكاء الاصطناعي - Artificial Intelligence

الذكاء الاصطناعي - Artificial Intelligence

تقنيات تتيح للأنظمة الحاسوبية محاكاة التفكير البشري، مثل التعلّم واتخاذ القرار وإنشاء المحتوى.

المحتوى المولَّد - Generative Content

المحتوى المولَّد - Generative Content

محتوى يُنتَج باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل النصوص أو الصور أو الفيديوهات، بناءً على أوامر أو “برومبتات” يضعها الإنسان.

الإرهاق الإبداعي - Creative Fatigue

الإرهاق الإبداعي - Creative Fatigue

حالة تصيب السوق أو الجمهور حين تتشابه الحملات الإعلانية وتفقد عنصر المفاجأة أو الأصالة، مما يقلل التفاعل ويضعف تأثير الإعلان.

إظهار المزيد
اقرأ المقال التالي

مقالات ذات صلة